عطية باني… الصوت الذي لا يُشبه إلا نفسه
مايا إبراهيم
في زمن الوجوه المستنسخة والأصوات المعلّبة، يطلّ عطية باني كحالة نادرة في الإعلام الليبي؛ ليس بوصفه مذيعًا يقدّم الخبر أو يحاور الضيف، بل كصوت يحمل في نبرته تاريخًا، وفي كلماته انحيازًا صريحًا للكرامة، للحقيقة، ولليبيا كما يجب أن تكون.
منذ بداياته، لم يقبل عطية أن يكون تابعًا لتيّار، ولا مروّجًا لشعارات مؤقّتة. اختار الأصعب: أن يبقى حرًّا. أن يُلزم نفسه بالمسؤولية الأخلاقية قبل المهنية، وأن يتعامل مع المايكروفون كمنبر للضمير لا منصّة للنجومية.
يكتب صوته على الهواء بلغةٍ لا تُخطئها الأذن: لغة صادقة، أنيقة، واضحة، فيها من الصمت قدر ما فيها من البلاغة. فلا عجرفة في الأداء، ولا تهويل في الطرح، بل رصانة العارف، وهيبة من يتحدّث لأنه يملك ما يقول، لا لأنه يطلب أن يُسمَع.
في برامجه، لا يكتفي بطرح الأسئلة، بل يخلق مساحةً للحوار الحقيقي، حيث يُنصت للآخر لا ليردّ، بل ليفهم. وحين يُحلّل، لا يسرق الأضواء، بل يسلّطها على القضيّة. بهذا المعنى، عطية باني ليس مجرّد إعلامي، بل شاهدٌ صادق على لحظة ليبية معقّدة، يواجهها بوعي المثقف ورهافة الإنسان.
لم يركض خلف الكاميرا، بل كانت الكاميرا تبحث عنه، لأنّ فيها – رغم صمتها – تعرف متى تصمت له. ولعلّ أجمل ما فيه أنه ظلّ وفيًّا لصوته الداخلي، مهما تبدّلت الظروف، ومهما تبدّلت الخرائط. لم يتلوّن، لم يهادن، لم يتورّط في الاستعراض.
عطية باني لا يحتاج إلى تقديم، لأن الذين يشبهونه قلائل. أولئك الذين يشتغلون بهدوء، لكنّ أثرهم لا يُمحى. الذين يمرّون دون ضجيج، لكن حضورهم في الذاكرة يبقى كصوتٍ تعرفه من أوّل نبضة… وتصدّقه قبل أن يُكمل الجملة.
⸻
شهادات حيّة… في حقّ من يزرع أثره بهدوء
يقول عنه أحد زملائه في الإذاعة:
“عطية لا يُحضّر فقرته فقط… بل يحضّر نفسه. كأنّه يدخل الاستوديو بقلبه لا ببطاقته الصحفية.”
وتكتب متابعته مها من بنغازي على صفحتها:
“حين يتحدّث عطية باني، أشعر أن ليبيا لا تزال بخير… لأن ثمّة من يقول الحقيقة بهذا القدر من الأدب.”
أما إعلامي شاب تأثّر بتجربته، فقال ذات مرّة:
———————
“هو الأستاذ الذي لا يعلّمك بالكلمات، بل بالمثال. صوته مدرسة في المصداقية، وصبره درسٌ في كيف تكون إعلاميًا دون أن تبيع روحك .
هكذا يمضي عطية باني في مسيرته، لا يطلب التصفيق، بل يُصغي إلى وقع خطواته على دربٍ يعرف وحده كم كان وعرًا، وكم بقي فيه من أمل. لا تستهويه الأضواء العابرة، لأنه اختار أن يكون ضوءًا داخليًّا لا يخبو… ضوءًا يدلّ لا يُضلّ، يُنير لا يُبهر، ويُشبه الوطن كما نحلم به: هادئًا، كريمًا، صادقًا.
وحين يُغلق الميكروفون، لا يغلق عطية صوته، بل يترك صداه فينا… في فكرة نبيلة، أو موقف شريف، أو لحظة صدق جعلتنا نُدرك أن الإعلام، في أرقى تجليّاته، ليس مهنة، بل أثر .
الإعلامية مايا إبراهيم
عدد المشاهدات: 5