من المنتصر: إيران أم إسرائيل؟ ومن دخل حلبة الصراع المر؟
فرات البسام
ما حصل جعلني أتلحف كتابي، حتى تذكّرت حروب طروادة، وشيئًا من أساطير حملة الروح في عودتها للوراء. جعلتني ذاكرتي أعود إلى قصائد (كافافيس).
كنا جميعًا في حالة ذهول، رغم توقّعنا هذه الحرب، ولكن لم يكن متوقعًا أن تكون بهذه الشراسة؛ أكثر تدميرًا من حرب العراق وإيران، وأشرس وأوسع من جميع حروب المنطقة، إن كان على مستوى الحدود الجغرافية أو في الكثافة النارية، ولا بامتداد الصراع على جميع المستويات، حتى الشعبية.
فبالتأكيد، ليس كل المسلمون، وليس كل العرب، بتوجّه ورؤية واحدة؛ فالبعض منهم، حتى الذي يكره إسرائيل، يتمنّى لها أو يدعو لها بالانتصار، وآخرون، حتى إن كرهوا إيران، يتمنّون انتصارها على كيان مغتصب لأرض عربية منذ نعومة أظفارنا، وهذه حقيقة مجرّدة ومفرغ منها.
ما أكتبه ليس سوى تحليل سياسي، قد أكون تكلّمت به عبر قنوات تلفزيونية من فترة زمنية ليست بقليلة، وأيضًا في بعض التحليلات أو في حوارات أو مقالات. فما أراه اليوم أن إسرائيل، رغم خسارتها في البُنى التحتية والأرواح، وأيضًا ضعف يهدد اقتصادها، فإنها -أعتقد- كانت تعي ذلك جيدًا قبل دخولها الحرب التي بدأتها، ولكن بالطبع، ليس كالعادة كما يُقال: “في غفلة من الزمن”، بل كان واضحًا جدًا أن إسرائيل تنتظر موافقة أمريكية بريطانية لانطلاق ساعة الصفر.
وأعتقد أن الصهيونية العالمية كانت حاضرة وتدير الصراع من خلف الكواليس. وأعتقد أن الصهيونية العالمية ومنظمة الأيباك هما من منحتا فرصة إلى الرئيس الأمريكي ترامب 60 يومًا ليفاوض إيران، والتي أعلنها ترامب بأن الحرب بدأت في اليوم 61. ولكن إسرائيل ذهبت إلى أبعد نقطة، بالتفاهم مع دول عظمى، لكي تسحب رجل إيران إلى صراع داخل حلبة تكون فيها إيران لوحدها بمواجهة أكثر من دولة، في مقدّمتهم أمريكا وبريطانيا، وحتى ألمانيا وفرنسا.
وبالطبع، باستثناء الصين، التي تعتمد على استيراد الطاقة من النفط والغاز الإيراني وبكميات كبيرة وبأسعار مفضّلة. ولكن في المقابل، أيضًا الصين لا تريد المواجهة مع أمريكا كي لا تخسر طموحها في السيطرة على تايوان، ونظريتها التي تسميها (الخطوة الواحدة).
وروسيا، الحليف الورقي لإيران، اتخذت من ليبيا موقعًا استراتيجيًا بديلًا عن سوريا، يكون في منطقة غنية بالطاقة، ومطلّة على جزء من البحر الأبيض المتوسط جنوب جزيرة كريت، بالاتفاق مع أمريكا.
إذًا، نحن هنا أمام حرب على الطاقة، وحرب على الإطلالات البحرية. لذلك تلجأ إسرائيل بكل ما تستطيع إلى توسيع رقعة الحرب من أجل تدخل دولي. وأعتقد أنه إذا لم تقبل إيران بالتسليم لشروط أمريكا، ستكون الولايات المتحدة الأمريكية أول المتدخلين في الحرب.
وإسرائيل تراهن على حراك دولي خارجي، وحراك شعبي، وثورة داخلية في إيران. ومن جهة أخرى، إيران أيضًا تحاول ضرب معظم مناطق إسرائيل حتى تصنع نقمة شعبية ضد حكومة نتنياهو.
ولكن، بكل الأحوال، استطاعت إسرائيل -وبعمل استخباراتي ليس بعيدًا عن يدٍ وعقلٍ مدبّر، وتوافق بين جهازي المخابرات الأمريكي والإسرائيلي– أن تقوم بالضربة الأولى، وعلى غفلة، بتصفية الصف الأول من قيادات الثورة، والذين تدرجوا في المناصب منذ بداية الثورة الإيرانية سنة 1979م. وبهذه الضربة، أُسدل الستار عن آخر قادة من الصف الأول في الثورة الإيرانية، والذين يُعتبرون من المتشددين، أو من اليمين المتشدّد الذي يناهض من يقف بوجه تطلّعات وأهداف الثورة.
وأعتقد أن إيران كان عليها أن تبقى بعيدة عن دخول حلبة الصراع الدولي، الذي وصل إلى مرحلة يصرّ فيها، ويريد نزع أي طموح لامتلاك إيران سلاحًا نوويًا. وكان عليها أن تقبل بمفاوضات أمريكا، لأن لا يعتقد أحد أن مفاوضات أمريكا مع أي دولة تعني أنها ستعطي شيئًا، بل المفاوضات هي، بالنسبة لأمريكا: “كم تعطيني وكم سأأخذ؟”، ويُسدل الستار عن أي مفاوضات أمريكية.
أرى أن الحرب ستنتهي قريبًا، عندما تُكمل إسرائيل مهمّة أمريكا وبريطانيا بتحييد إيران عن صنع القنبلة النووية، وضرب برنامجها النووي، وأيضًا إيقاف صناعة الصواريخ الباليستية. وسيكون هذا خلال أسبوعين. بعدها ستضطر إيران إلى إبرام صفقة مع أمريكا لإيقاف الحرب، تحت شروط أمريكية، وبوساطة دولية قد تكون من قبرص أو اليونان أو روسيا.
وستنتهي حقبة الحكم الثيوقراطي (الإسلام السياسي)، والذي ظهر خلفًا للأحزاب البعثية والشيوعية والقومية، التي حكمت المنطقة منذ سنة 1977م.
سادتي، وحده الأمل سوف يشرع ذراعيه للريح ويهرول إلى قيامة عاطلة… تهيّأ لإصلاح شقوق سقف الكون، إني أسمع على سلالم الرياح جسدَ الظلام يتدحرج… أسمع صوت أوراق دفتر الطبيعة، تقلبه يد المطر.. أيامنا حبلى بالمفاجآت، وننتظر ولادة قيصرية.
عدد المشاهدات: 9