رولا أبو زيد… المرأة التي اختارت الصدق صوتًا لها
بقلم الكاتبة اللبنانية – مايا ابراهيم
في المشهد الإعلامي اللبناني المزدحم بالوجوه والمواقف، تلمع رولا أبو زيد كصوت لا يشبه أحدًا، وكنبرة لا تتوارى خلف المجاملات. امرأة تسير بثقة بين الاستوديو والضيف، حاملة حقيبة مليئة بالمهنية والشفافية، تنبش القضايا بصدق، وتقول ما لا يُقال، لا لتثير الجدل بل لتفتح النوافذ على أسئلة قلّ من يجرؤ على طرحها.
رولا، ابنة الكلمة الواضحة، تقف دومًا عند تقاطعات الجرأة والصدق. لا تهادن حين يتعلّق الأمر بهوية الفن اللبناني، ولا تصمت حين تُقصى المواهب المحلية لصالح حسابات غير فنية. هي التي قالتها بالفم الملآن: “بعض المنتجين يؤلّهون الممثل غير اللبناني وكأنّ الموهبة في لبنان طارئة أو هامشية.”
هذا الصوت الحر لم يخرج من فراغ، بل من مسيرة راكزة تنوّعت بين الإذاعة والتلفزيون، حيث قدّمت برامج تُعنى بالناس، لا بالأسماء فقط. في برنامج “دردشة الخميس”، تنسج لقاءاتها حول الإنسان خلف الصورة، وفي “بدون تكليف” تفتح النوافذ على حياة السياسيين، الأطباء، والإعلاميين من زوايا إنسانية، لا مجرّد ملفّات وأرقام. هناك، يتكلم الضيف عن ماضيه، عن هواجسه، عن ضعفه وقوّته، عن علاقته بنفسه وبالآخرين. وهذه ليست محاورة عادية، بل مساحة دافئة تشبه جلسات الرفاق لا استجواب الشاشة.
أما عبر أثير الإذاعة، فكان لها حضور لافت في برنامج “دراما” الذي يُعنى بالكتابة والسينما والإعلام، حيث تستضيف كتّابًا ومخرجين وممثلين في نقاشات عميقة لا تخلو من ثقافة وتحليل. في هذا البرنامج تحديدًا، يتجلّى ولعها بالفن لا كمادة إعلامية عابرة، بل كمساحة لفهم الحياة.
لكنّ رولا ليست فقط إعلامية بالمعنى التقني، بل هي أيضًا أم وصديقة لجيل جديد من الفنانين. في ابنتها جينا أبو زيد، ترى الامتداد الطبيعي لحلمها: شابة طموحة، حساسة، تملك موهبة راقية، وتشبه والدتها في الصدق. وقد كانت رولا أول من نبّه جينا أن لا تقع في فخّ المقارنات، وأن لكل زهرة وقتها في التفتّح.
خارج الاستوديو، لا تغيب رولا عن مشهد القضايا الإنسانية. ظهرت في مؤتمرات تدافع عن حقوق النساء المهمشات، وساهمت في النقاش العام حول الفن والعدالة، مؤكدة أن الإعلام ليس فقط منبرًا، بل مسؤولية.
رولا أبو زيد ليست صدى لأحد، بل صوت نقي، متفرّد، يعلو حين يُخنق الكلام، ويتراجع حين تتكلم الصورة. هي تلك المُحاوِرة التي لا تحوّر الحقائق، بل تسألها بلغة الناس، لا بلغة العناوين.
في عالم يزدحم بالضوضاء، تبقى رولا أبو زيد واحدة من القلائل الذين يجعلون من الميكروفون مرآةً للضمير، ومن الشاشة مساحةً للكرامة. إنها ببساطة، إعلامية لا تساوم على الحق، ولا تتعب من الحلم بوطن تُنصت فيه الكاميرا للإنسان، لا للعرض.
الإعلامية مايا إبراهيم
عدد المشاهدات: 32