خدوجة صبري.. نجمة ليبيا التي مشَت على خيوط الضوء
بقلم- مايا أبراهيم
في بلدٍ تُروى حكاياته على وقع الموج ورائحة الصحراء، ولدت امرأة جعلت من الفن جسدًا نابضًا لليبيا، ومن التمثيل رسالة تلامس الضمير. خدوجة صبري، فراشة المسرح الليبي ونجمة شاشته الأولى، ليست مجرّد ممثلة، بل ذاكرة حيّة لزمنٍ كانت فيه الكلمة موقفًا، والوقوف على الخشبة ضربًا من الشجاعة.
منذ أول خطوة لها على الخشبة، شدّت الأنظار بإيقاعها المختلف، وبصوتٍ يشبه الموج حين يهمس للصخر: أنا هنا. عرفت كيف تُلبس الشخصية لحمًا ودمًا، وتُدخل المتفرج إلى عوالم لا تنسى. لم تكن أدوارها أداءً، بل حياة كاملة تُخلق أمام أعيننا، تنبض وتتنفس، وتدعونا لنشعر ونفكّر ونواجه.
على المسرح، وقفت في أعمال لا تُنسى مثل “البنت اللي قالت لا” و*“بدون تأشيرة”، كأنها كانت تعيد كتابة التاريخ
الليبي من منظور امرأة تؤمن بأن الفن سلاح، وأن الصمت خيانة حين يكون الصوت حقًّا. وفي السينما، تألقت في أفلام مثل “معزوفة المطر” و“إلى من يهمه الأمر”*، حيث جمعت بين الحضور الطاغي والرقة الإنسانية العميقة.
ولأن الصوت لا يقل حضورًا عن الصورة، كانت للإذاعة معها حكاية طويلة. أكثر من أربعين عملًا إذاعيًا قدّمتهم، كانت فيها نبض الناس، وحاملة نبضهم إلى الميكروفون، لتصل القصص إلى كل بيت، وإلى قلوب كل من استمع.
خدوجة صبري ليست فنانةً عابرة، بل منارة أضاءت درب كثيرين، ورفعت سقف التطلّع للفن الليبي، وسط عالم لا يمنح الهامش حقّه بسهولة. فاستحقت عن جدارة أن تُلقّب بـ”سفيرة الفن الليبي”، وهو لقب لا يُمنح، بل يُنتزع بالإبداع، بالشغف، وبالوقوف في وجه التكرار.
كرّمتها المنصات، وصفّقت لها القاعات، لكن تكريمها الأجمل بقي دائمًا في عيون جمهورها، وفي حب الوطن الذي لم يُفارقها في كل مشهد وكل دور.
في زمنٍ تتشابه فيه الوجوه، بقيت خدوجة صبري بصمة. وفي مشهدٍ كثيرًا ما يخذل مبدعيه، بقيت واقفة، شامخة، كأنها تقول لكل امرأة عربية: ما دمتِ صادقة، فلا شيء يمنعك من أن تكوني نجمة.
الإعلامية مايا إبراهيم
عدد المشاهدات: 11