محمد الباز.. القلم الذي لا يلين والصوت الذي لا يهادن
بقلم الكاتبة اللبنانية- مايا ابراهيم
في مشهد صحفي وإعلامي يزخر بالأسماء العابرة والنجاحات الموسمية، يسطع اسم محمد الباز كأحد القلائل الذين حافظوا على وهج حضورهم بفضل ثبات المبدأ وغزارة الفكر ورشاقة التعبير. إنه ليس مجرد إعلامي يتنقل بين الشاشات والميكروفونات، بل هو عقل نقدي مُدرب، وكاتب يقرأ الواقع بعين المثقف المتورط في هموم مجتمعه، لا بعين المراقب البارد.
عرفته المنابر الصحفية مفككًا للأفكار، ومستقرئًا لما وراء العناوين، لا يُجيد المهادنة حين يتطلب الموقف الوضوح، ولا يخجل من المواجهة حين تستدعي الكلمة شجاعة. قاد دفة جريدة “الدستور” في أوقات كانت الكلمة تكلّف الكثير، فحمل القلم بجرأة من لا يخشى العواقب، وكتب بلغةٍ واضحةٍ، بعيدةٍ عن الزيف أو الالتفاف.
في برامجه، سواء على الشاشات أو في الإذاعة، يتنقّل محمد الباز بين الملفات السياسية والثقافية والدينية بسلاسة من يعرف عمق ما يخوض فيه. لا يقتصر حضوره على الإلقاء أو التحليل السطحي، بل يغوص في الجذور، ويضع إصبعه على مكامن الخلل، مدفوعًا بشغف البحث عن الحقيقة لا إرضاء جمهور أو سلطة.
أما كتبه، فهي امتداد لهذا الحضور الصريح، أرّخ فيها لمعاركه الفكرية، وفتح نوافذ على موضوعات ظلّت لفترات طويلة مغلقة بإحكام، فخاضها بإيمان العارف، وبأسلوب المتمكّن. سواء كتب عن الدين، أو السلطة، أو الإعلام، كان صوته يخرج دومًا من منطقة الأصالة، لا الانفعال، ومن ضمير المثقف، لا من دعاية الصحفي.
ومن أبرز مؤلفاته كتاب “رهبان وقتلة”، الذي كشف فيه بثقة وعمق عن التداخل المعقّد بين الدين والسلطة، و**“التركة الملعونة: كتاب الأسرار”**، حيث شخّص فيه أزمة الإعلام المصري بمشرط العارف ببواطن الأمور. هذه الكتب ليست فقط توثيقًا لحالات وظواهر، بل مواقف فكرية تحمل بصمة صاحبها من الغلاف حتى الخاتمة.
أما على الشاشة، فبرنامجه “آخر النهار” على قناة النهار، و**“الشاهد”** على إكسترا نيوز، شكّلا مساحة حرة لتحليل المشهد المصري بعين لا تكلّ ولا تتلون. في كل ظهور له، يخرج الباز بنفسه، لا بصورة مصمّمة لجمهور، بل بشخصية المثقف الذي لا يستسلم لإغراءات الاستعراض أو التهويل.
محمد الباز هو تلك الفئة النادرة من الإعلاميين الذين يشبهون مدارس فكرية قائمة بذاتها، يقرؤونه طلاب الصحافة كما يقرؤه العامة، ويختلفون أو يتفقون معه، لكنهم لا يستطيعون إنكار تأثيره أو تجاوز بصمته.
إنه باختصار، صوت الحقيقة حين تخفت الأصوات، والقلم الذي يكتب لا ليُجمّل الواقع، بل ليكشفه ويعيد ترتيبه على صفحات الضوء.
الإعلامية مايا إبراهيم
عدد المشاهدات: 1