في حضرة المتاحف… نقرأ ذاكرتنا بصوتٍ عالٍ
بقلم: سعاد ياسين
حين نزور متحفًا، فنحن لا نرى مجرد قطع أثرية صامتة، بل ندخل في حوار مفتوح مع التاريخ. نسمع صوت الحرف الأول، وأثر القدم الأولى، وندرك أن الماضي لم يغب، بل ينتظر منا أن نعيد اكتشافه.
في اليوم العالمي للمتاحف، الذي يصادف 18 مايو من كل عام، تتجدد الدعوة إلى تأمل الدور المحوري الذي تلعبه المتاحف في صياغة وعي الإنسان، وتعزيز انتمائه، وربط الحاضر بجذوره العميقة.
المتاحف اليوم لم تعد مخازن للتراث، بل تحوّلت إلى منصات تعليمية، ومراكز بحثية، ومساحات تفاعلية تسهم في إشراك الأجيال في قراءة ماضيها وصناعة مستقبلها. وقد جاء شعار هذا العام: “المتاحف من أجل التعليم والبحث” ليعكس هذا الدور المتطوّر للمتحف كأداة لبناء الإنسان لا تخزين الآثار فقط.
وفي منطقتنا العربية، نملك ثروة حضارية عظيمة تمتد عبر الزمن، و منها حضارات وادي النيل وبلاد الرافدين، إلى الفينيقيين والكنعانيين، والأنباط، وسبأ وحمير، وثمود، مرورًا بالحضارة الإسلامية والأندلسية، ووصولًا إلى الإرث العثماني والأمازيغي. هذه الحضارات لا تزال حية في متاحفنا، تشهد على إبداع الإنسان، وتلهم أجيال الحاضر والمستقبل
وفي قلب الخليج، على أرض مملكة البحرين، نجد صفحات حضارية نادرة تستحق أن تُروى بكل فخر. من حضارة دلمون التي كانت همزة وصل بين الشرق والغرب، إلى تايلوس واوال، حيث برزت البحرين كمركز تجاري وثقافي نشط منذ آلاف السنين. هذه الحضارات، وغيرها من المراحل الغنية في تاريخ المنطقة، لا تزال تنبض بالحياة في متاحفنا، تحمل الشواهد على مساهمة أهل الخليج في صياغة الحضارة الإنسانية.
لكن المتحف ليس مكانًا للماضي فقط. إنه مساحة للحوار، ومحرّك للإبداع، وأداة لبناء وعي جماعي متجدّد. ومن هنا، فإن دعم المتاحف وزيارتها، ودمجها في البرامج التعليمية والثقافية، يجب أن يكون أولوية مجتمعية ووطنية.
في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتتشظى الهويات، تبقى المتاحف هي الرواية المتماسكة التي تذكّرنا بمن نحن، وكيف وصلنا إلى هنا.
فالنحتفِ بالمتاحف لا لأنها تحفظ تراثنا فحسب، بل لأنها تفتح أمامنا أبوابًا لفهم أنفسنا والآخرين… بصوتٍ صادق قادم من عمق التاريخ.
عدد المشاهدات: 15