حسن م. يوسف… كاتبٌ يمشي على حدّ السيف
بقلم – مايا ابراهيم
ليس من السهل أن تكتب عن رجلٍ اختار أن يكون “ضمير الكلمات” في زمنٍ تتشظّى فيه الضمائر. حسن م. يوسف، هذا الاسم الذي صار أشبه ببوصلة فكرية وأخلاقية، لم يكن يوماً كاتباً تقليدياً يطارد الضوء، بل كان دائماً هو النور في العتمة، القلم الذي لا ينحني، والصوت الذي لا يساوم.
وُلد في الدالية، على السفوح الخضراء لسوريا العميقة، لكنه لم يبقَ هناك. غادر قريته صغيراً، حاملاً قنديل الريف في قلبه، وبوصلة الوطن في عقله. كاتبٌ بدأ مسيرته من الصحافة، لكنه سرعان ما تحول إلى ظاهرة ثقافية ترفض التصنيف، فقد كتب القصة، والرواية، والمقال، والسيناريو، وحتى المسرحية، دون أن يتخلى لحظة عن لغته الصافية، وأخلاقه الصارمة.
حسن م. يوسف لا يُمكن أن تُقرأ له سطور عابرة، لأنه يكتب كما يتنفس: بصدق. في عموده الأسبوعي، أو في حواراته الإذاعية، أو حتى في حكاياته القصيرة، دائماً ما يترك قارئه أمام مرآة داخلية، يضطر فيها أن يراجع أفكاره، أن يشكّ، أن يغضب، أو أن يتطهر. لغته ليست من ورق، بل من نار. يضع الحقيقة على الطاولة، حتى وإن كانت جارحة، حتى وإن كانت مكلفة.
في أعماله الدرامية، كما في “أخوة التراب” و*“حارس القدس”، لم يكن يكتب سيناريوهات فقط، بل كان ينسج تاريخاً مقاوماً، يُعيد للذاكرة هيبتها، وللقضية وجهها الإنساني. لم يسمح للدراما أن تكون وسيلة ترفيه فقط، بل جعلها سلاحاً فكرياً، وفضاءً للحوار والمواجهة. حتى في رواياته، مثل “الآنسة صبحا” و“عبثاً تؤجل قلبك”*، نرى هذا المزج النادر بين الشعر والفكر، بين الألم والكرامة.
حسن م. يوسف هو الكاتب الذي ظل يُربّي الكلمات كما يُربّي الفلاح نبتته، يعرف مواسمها، ويصبر على جفافها، لكنه لا يساوم على طهارتها. ربما لهذا السبب، بقي مستقلاً حتى وهو في قلب المؤسسات، نقياً حتى وهو وسط الضجيج.
في زمن يتبدّل فيه كل شيء، يبقى حسن م. يوسف شاهداً نادراً، وكاتباً لا يشيخ، لأنه ببساطة لم يكتب يوماً ليعجب أحداً، بل كتب لأنه كان مضطراً أن يقول الحقيقة… أو يموت بصمت.
عدد المشاهدات: 4