دراسة طبية حديثة تكشف إنزيم في بكتيريا الأمعاء يمنع اليرقان ونقص اكتمال الميكروبيوم
د.علي سرحان العرب نيوز اللندية
تعد العين من الأعضاء الحساسة والمعقدة جدًا في جسم الإنسان، وكأي عضو آخر ممكن للعين أن تتعرض لهجوم من بعض أنواع الجراثيم، مثل: البكتيريا، والفطريات، والفيروسات، والطفيليات، وغيرها، قد يكون الجهاز المناعي في جسمك جاهزًا لمحاربتها لكن في كثير من الأحيان يتطور الأمر لحدوث الالتهابات.
لمدة قرنين تقريباً، حيَّر البيليروبين -وهو صبغة صفراء تنتج عندما تتحلل خلايا الدم الحمراء- العلماء. وبينما يتسبب تراكمه في حدوث اليرقان، مما يحوِّل الجلد والعينين إلى اللون الأصفر، ظل الإنزيم المسؤول عن تحلله لغزاً. والآن، حددت دراسة بارزة نُشرت في مجلة «Nature Microbiology» هذا الإنزيم المراوغ وهو: إنزيم اختزال البيليروبين (BilR)، الذي تُنتجه بكتيريا الأمعاء.
لغز البيليروبين
لا يحل هذا الاكتشاف لغزاً بيولوجياً طويل الأمد فحسب، بل يكشف أيضاً عن كيفية مساهمة الاضطرابات في ميكروبيوم أمعائنا في أمراض مثل مرض التهاب الأمعاء (IBD) واليرقان عند حديثي الولادة.
والبيليروبين هو منتج نفايات يتم إنتاجه في أثناء إعادة تدوير الهيموغلوبين من خلايا الدم الحمراء المتقدمة في العمر. وفي العادة تجري معالجة البيليروبين بواسطة الكبد، ثم يتم إفرازه في الأمعاء، ثم يتم تكسيره بواسطة البكتيريا أو إعادة امتصاصه. ويؤدي الإفراط في إعادة الامتصاص إلى فرط بيليروبين الدم، مما يسبب اليرقان. وفي الحالات الشديدة قد يسبب تلف الأعصاب.
بحلول سبعينات القرن العشرين اشتبه الباحثون في أن البشر يفتقرون إلى الإنزيم اللازم لتحلل البيليروبين داخلياً واعتمدوا بدلاً من ذلك على ميكروبات الأمعاء. ومع ذلك فقد ثبت أن تحديد اللاعبين البكتيريين الدقيقين -وآلياتهم الجينية- غير مجدٍ لعقود من الزمن.
فك الشفرة
تعاون شياوفانغ جيانغ، عالم الأحياء الحاسوبية في المعاهد الوطنية للصحة، وبرانتلي هول، عالم الأحياء الدقيقة في جامعة «ماريلاند»، للعمل على فرضية بسيطة: مقارنة الجينات في البكتيريا التي تهضم البيليروبين بتلك التي لا تعالج هذه الصبغة. ولكن مع وجود عدد قليل فقط من البكتيريا الهاضمة المعروفة، كان عليهم أولاً توسيع قائمة المشتبه بها.
وباستخدام اختبار جديد قائم على الفلورسنت، عرّض الفريق مزارع بكتيرية للبيليروبين واليود. وعندما يتحلل البيليروبين تتفاعل منتجاته الثانوية مع اليود لإصدار الضوء. وقد كشفت هذه الطريقة عن تسعة أنواع جديدة كلها ضمن البكتيريا المؤتلفة Firmicutes phylum (هي شعبة من البكتيريا معظمها يحتوي على جدران خلوية من النوع موجبة الجرام) قادرة على هضم الصبغة.
بعد ذلك، كشفت المقارنات الجينومية عن جين مشترك بين هذه الأنواع: «إنزيم من نوع أوكسيدوردوكتاز» يستهدف على الأرجح الروابط المزدوجة الأربعة للبيليروبين بين ذرات الكربون. وللتأكد من ذلك نقل الباحثون الجين إلى بكتيريا غير قادرة على الهضم. ومن المثير للدهشة أن هذه الميكروبات المعدلة وراثياً اكتسبت قدرات كاملة على إجراء تحلل البيليروبين.
وقال هول: «افترضت النظريات السابقة أن هناك حاجة إلى أربعة إنزيمات منفصلة. لكن إنزيم اختزال البيليروبين وحده يتعامل مع الروابط الأربعة. إنه (سكين الجيش السويسري) في الكيمياء الحيوية».
ثم قام الفريق بتحليل 1801 ميكروبيوم أمعاء بالغ سليم، ووجدوا إنزيم اختزال البيليروبين في 99.9 في المائة من الأفراد، على الرغم من الاختلافات الشاسعة في التركيب الميكروبي. قال جيانغ: «هذا الإنزيم هو حماية بشرية عالمية». ومع ذلك، تتغير الصورة في حالات المرض: أكثر من 30 في المائة من مرضى التهاب الأمعاء، و70 في المائة من الأطفال حديثي الولادة الذين تقل أعمارهم عن شهر واحد يفتقرون إلى البكتيريا المنتجة إنزيم اختزال البيليروبين.
قد يفسر هذا الغياب سبب الإصابة باليرقان عند الأطفال حديثي الولادة بنسبة 60 في المائة من الرضع. وأشار هول إلى أن «ميكروبيوم الأمعاء لم يتم تأسيسه بالكامل عند الولادة، ومن دون إنزيم اختزال البيليروبين، ترتفع إعادة امتصاص البيليروبين، مما يتسبب في الاصفرار الذي نراه». وبالمثل، يمكن أن يؤدي خلل التوازن المعوي المرتبط بالتهاب الأمعاء إلى تفاقم تراكم البيليروبين، مما قد يؤدي إلى تفاقم الالتهاب.
عدد المشاهدات: 4