محكمة العدل الدولية ترفض الدعوى التي تقدّمت بها القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات
د علي سرحان العرب نيوز اللندية
رحبت الإمارات العربية المتحدة، الإثنين، بقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي برفض الدعوى المقدمة من قبل القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات، استنادا إلى الغياب الواضح للاختصاص القضائي.
وبناء على هذا القرار، سيتم رفع القضية من سجل المحكمة، وإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بها بشكل رسمي.
ويؤكد هذا القرار ما كان جليا منذ مدة طويلة، وهو أن الدعوى المقدمة من قبل القوات المسلحة السودانية باطلة ولا أساس لها من الصحة، حسبما أفادت وكالة أنباء الإمارات (وام).
تجمع دولتا الإمارات العربية المتحدة والسودان، علاقات قوية على المستويين السياسي والاقتصادي منذ نحو أربعة عقود. وطوال الأزمات السياسية التي مر بها السودان، كانت الإمارات في مقدمة الدول التي لعبت دوراً محورياً، من أجل الحفاظ على أمن واستقرار السودان. ومنذ اندلاع الصراع الراهن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، سارعت الإمارات لاحتواء الوضع في السودان، داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بطرح دعوات وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من تداعيات هذا التصعيد العسكري.
رفضت محكمة العدل الدولية، يوم الخامس من مايو 2025 ، الدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات لعدم الاختصاص، كما قررت شطب القضية. وقالت المحكمة إنه “لا يمكن للمحكمة إصدار التدابير المؤقتة التي طلبها السودان ضد دولة الإمارات”. ورحبت دولة الإمارات بقرار المحكمة، استنادا إلى الغياب الواضح للاختصاص القضائي. وبناء على هذا القرار سيتم رفع القضية من سجل المحكمة، وإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بها بشكل رسمي. يشير قرار المحكمة إلى عدم وجود أدلة كافية تثبت تورط الإمارات في أعمال تُمثّل خرقًا مباشرًا للقانون الدولي أو انتهاكًا لسيادة السودان. كما يعبّر عن رفض المجتمع الدولي لمعادلة “تحميل المسؤولية السياسية على أسس ظرفية”، خاصة عندما لا تُرفق بادعاءات مدعومة بإثباتات قانونية واضحة. ويمكن اعتبار هذا الرفض تثبيتًا لمبدأ عدم تسييس آليات القضاء الدولي في صراعات داخلية معقّدة.
تتموضع الإمارات في المشهد السوداني بصفتها فاعلًا إقليميًا يوازن بين تقديم الدعم الإنساني والالتزام بالخطوط الحمراء الدبلوماسية. فقد قدمت أبوظبي مساعدات إنسانية إلى مناطق النزاع والمناطق الحدودية، بما فيها دعم الإجلاء المدني وتقديم الإغاثة الغذائية والطبية، في ظل انهيار المنظومة الخدماتية السودانية. في المقابل، تجنّبت الإمارات الدخول المباشر في النزاع العسكري، أو الإعلان عن تبنّي طرف دون آخر، رغم اتهامات متكررة صدرت من أطراف متضررة من التوازنات الإقليمية. قرار محكمة العدل الدولية يمنح الإمارات مساحة دبلوماسية جديدة، تعزز من أهليتها للعب دور الوسيط، سواء منفردة أو ضمن تحالف عربي– أفريقي. تمتلك الإمارات علاقات فاعلة مع طرفي النزاع، وكذلك مع أطراف إقليمية مؤثرة (مثل مصر، إثيوبيا، السعودية)، ما يعزز من قدرتها على تسهيل الحوار، إذا توفرت الإرادة الدولية والإقليمية لإنهاء الحرب.
أثبتت أبوظبي، عبر هذا التطور القانوني، قدرتها على تحييد الضغوط السياسية من خلال الالتزام بالشرعية الدولية، وهو ما ينعكس إيجابًا على صورتها كدولة مسؤولة وفاعلة دوليًا. كما يشكل الرفض القضائي للدعوى سندًا دبلوماسيًا في مواجهة حملات إعلامية أو اتهامات تفتقر للمشروعية القانونية.يعيد قرار محكمة العدل الدولية التأكيد على أهمية “القانون الدولي كأداة لتصفية الاتهامات السياسية”، ويُعطي للإمارات فرصة لإعادة رسم دورها في السودان، انطلاقًا من موقعها كفاعل إقليمي يسعى للاستقرار، وليس للتورط. ومن المرجح أن تستثمر أبوظبي هذا القرار في تعزيز جهودها على المستويين الإنساني والدبلوماسي، خاصة في ظل هشاشة النظام الإقليمي وتفاقم النزاعات العابرة للحدود في منطقة القرن الأفريقي.
تاريخ العلاقات الإماراتية السودانية:-
تعود العلاقات بين الإمارات والسودان إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، وحرص قادة الدولتين على تطوير العمل المشترك، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والتنموية. وتعد السودان من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الإمارات في ديسمبر 1971.
أجرى الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، زيارة رسمية للسودان في 20 فبراير 1972، وكان الرئيس السوداني الراحل جعفر محمد نميري، أول رئيس دولة يزور الإمارات، في 23 أبريل 1972.
تعمقت العلاقات بين البلدين، بتأسيس الشيخ زياد بن سلطان آل نهيان، شارع “هيا بورتسودان” بطول (600) كم، والذي يعد من أهم المشاريع القومية التنموية، نظراً لأنه يربط بين ميناء السودان الرئيسي بوسط البلاد.
الدور السياسي الإماراتي في دعم الاستقرار الاقتصادي بالسودان:-
أطلقت الإمارات والسودان، في 31 أغسطس 2021، شراكة استراتيجية في التحديث الحكومي، لتبادل الخبرات في مختلف المجالات. تعد هذه الشراكة انعكاساً للعلاقات القوية بينهما، وتأكيداً على الثقة المتبادلة بين الحكومتين، لإقامة شراكة جديدة واستفادة السودان من نموذج تحديث الحكومة لدى الإمارات.
امتد التعاون الاقتصادي بينهما، بمساهمة الإمارات في مشروعات التنمية والاستثمارات الكبرى في السودان، حيث تعد الإمارات شريكاً أساسياً في خطط السودان التنموية، وحرصت على زيادة التبادل التجاري، بالتعاون المشترك بين رجال الأعمال والشركات والمؤسسات من البلدين.
قدمت الإمارات في 25 يونيو 2020، (50) مليون دولار لدعم مبادرات النمو الاقتصادي بالسودان بالتعاون مع البنك الدولي، لخلق فرص عمل وتشجيع الاستثمارات النوعية، ودفع عجلة التنمية وتعزيز سبل العيش بالسودان. وصل حجم الاستثمارات والتمويلات التنموية التي قدمتها الإمارات للسودان، لأكثر من (28) مليار درهم، وتعمل (17) شركة إماراتية بقطاعات اقتصادية متنوعة بالسودان.
يعد صندوق أبوظبي للتنمية، من أبرز المؤسسات الداعمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالسودان، بتمويل قطاعات متنوعة وودائع بقيمة (7.3) مليارات درهم، لذا تحتل السودان صدارة الدول المستفيدة من تمويلات الصندوق. دعمت الإمارات احتياطات العملات الأجنبية في بنك السودان المركزي، بإيداع نحو (250) مليون دولار في أبريل 2021، لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي بالسودان.
بلغت صادرات الإمارات للسودان في 2023، نحو (861) مليون دولار، ومن أبرزها المجوهرات بقيمة (128) مليون دولار، والنفط المكرر بقيمة (121) مليون دولار، والسكر الخام بنحو (35.5) مليون دولار. وبلغت صادرات السودان للإمارات في 2023، نحو (1.09) مليار دولار، ومن أبرزها الذهب بقيمة (1.03) مليار دولار، والبذور الزيتية بقيمة (15.9) مليون دولار، والمحاصيل العلفية بقيمة (14.2) مليون دولار.
ما أهمية الدور الإيجابي لدولة الإمارات لتهدئة الصراع السوداني؟
تلعب الإمارات دوراً دبلوماسياً في تهدئة الصراع في السودان، بتقديم مقترحات ومبادرات لوضع حل للأزمة المشتعلة منذ ما يقرب من عامين. وشددت الإمارات في 22 مايو 2023، على ضرورة وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع، وطالبت باتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاشتباكات المسلحة بالسودان.
بعودة القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أكدت الإمارات في 17 نوفمبر 2023، على موقفها من دعم إيجاد حل سلمي لإنهاء الصراع، خلال الاجتماع الافتراضي الوزاري لمجلس الأمن والسلام للاتحاد الأفريقي. وفي جلسة مجلس الأمن التي انعقدت في 9 مارس 2024، دعمت دعوة المجلس لوقف القتال بالسودان خلال شهر رمضان. وأيدت الإمارات الجهود الدبلوماسية لتيسير وصول المساعدات الإغاثية والإنسانية، وخفض التصعيد والاتجاه إلى الحوار السياسي.
رغم الجهود الإماراتية المبذولة، لإعادة فتح الحوار بين طرفي الصراع السوداني، والتنسيق المشترك مع باقي الأطراف الإقليمية والدولية، لتسوية الأزمة السياسية واحتواء المعاناة الإنسانية للشعب السوداني، إلا أن هناك تحديات تواجه هذه التحركات، متمثلة في تباين وجهات النظر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وطول أمد الصراع، وعدم الامتثال لقرارات مجلس الأمن وأطروحات مباحثات جدة واجتماعات جنيف، ما يشير إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق للتهدئة في الوقت الراهن.
– إن العلاقات التاريخية بين الإمارات والسودان، وطبيعة الدعم المقدم من جانب الإمارات للشعب السوداني في أزماته، تؤكد على أن الإمارات ستكون في مقدمة الدول، التي ستتولى إعادة إعمار السودان، وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين، في حال التوصل لاتفاق لوقف الحرب خلال الفترة المقبلة.
عدد المشاهدات: 1